ملخص
تبحث هذه الدراسة في هوية الفضاء الإلكتروني، وهذا من أجل تحديد سمات العالم
الافتراضي،
والخلفيات الأيديولوجية للعصر الرقمي، وهل للتقنية وللإنترنت
والمعلومات خلفيات أيديولوجية؟
وكيف هي سيكولوجيا الفضاء الرقمي؟ أي كيف هو شعور سكان هذا العالم؟
وأخيرا ما هي إشكاليات سكان الفضاء الالكتروني؟
إذن نريد من وراء هذه الدراسة معرفة ما إذا كان هذا
الحجم البشري كعنصر أساسي في مكونات الفضاء الالكتروني
يشكل مجتمعا موازيا للمجتمع الواقعي،
وهل يمتلك هذا المجتمع (الجديد)
أيديولوجيا، كما نسعى للاقتراب من واقع هذا
الفضاء وتحديد أهم إشكالاته البنيوية
والوجودية.
الكلمات الدالة: الفضاء الرقمي، الإنترنت، التقنية، الهوية الافتراضية،
الأيديولوجيا في العالم الالكتروني، الخلفيات
المرجعية، سيكولوجية السكان الافتراضيون.
مقدمة
كان لتقدم تقنيات الاتصال وانتشارها آثار هائلة على مستوى البنية الاجتماعية.
فخلال العقد الأول من القرن الحادي
والعشرين ارتفع عدد المتصلين في العالم من 350 مليون إلى أكثر من 03 مليار
متصل، أي نصف سكان العالم تقريبا،
وفي الفترة نفسها ارتفع عدد مشتركي الهاتف النقال من 750 مليون إلى
أكثر من خمسة مليارات مشترك(وهو الآن
أكثر من ستة مليارات). لقد وصلت هذه التقانات إلى أقاصي المعمورة، محققةً
معدل انتشار عالي جدا في بعض الأماكن
مثل الولايات المتحدة واليابان. وتشير بعض التقارير إلى أنه في عام
2025 سيكون معظم سكان الأرض (من المليارات
الثمانية المتوقع وجودهم على الأرض حينئذ) متصلين بالإنترنت، وهذا يعني
بالنسبة إلى المواطنين أن وجودهم على
الانترنت سيؤدي إلى حيازة هويتين؛ أحداهما في العالم المادي والأخرى في
العالم الافتراضي. ولا ندري إن كانت الهوية
الافتراضية ستطغى على الهوية الأخرى أم لا. ولو حسبناها بطرق متعددة لوجدنا
أن الآثار التي سيتركونها (في العالم
الافتراضي) ستبقى راسخة في الشبكة إلى الأبد. وبما أن ما ننشره وما نرسله
بالبريد الالكتروني وما ندونه وما نشاركه
عبر الشبكة يشكل الهوية الافتراضية بالنسبة إلى الآخرين، فإن أشكالا جديدة
من البنيات الاجتماعية ستفرض وجودها بلا
شك. وبالتالي فإن هذا الطغيان الذي أشرنا إليه سيكون مبررا.
وعلى مستوى آخر مختلف تماما عما طرحناه آنفا، فإن هذا التطور المدهش الذي
نشهده على مستوى التقنية، والتوسع
في استعمالاتها، والتوجه البشري نحوها، لابد أن يقابله تطور على مستوى
التدمير والإضرار، وتوسع في الاستغلال
المقيت، فما تحقق من تقدم إلكتروني يستلزم لا محالة توازي في الأمن الالكتروني.
لذا فإن الأمن الإلكتروني هو واحد من
أهم القضايا التي ستعمل على تشكيل الهوية الافتراضية، نظرا للعلاقة الوطيدة
بين الأمن والهوية في العالم الأرضي.
وسوف تستمر هذه الأهمية في النمو طالما هناك طلب متزايد على الأجهزة الالكترونية
المختلفة وخدمات الإنترنت،
بعبارة أخرى طالما هناك طالبوا الهوية الافتراضية، لذا فقد أصبح من الواجب
ضمان تكنولوجيا معلومات واتصالات آمنة
لمجتمعات العالم كلها، بحيث يجني نحو خمسة مليارات متصل على هذا الكوكب
فوائد هذه التكنولوجيا التي يبدو في
الظاهر أنها خيرة. لقد أصبح اليوم كل شيء في حياتنا اليومية يعتمد ي
على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (على مستوى الاتصال، وتخزين المعلومات)،
ونحن جميعا عرضة للخطر إذا ما
تم تحويل هذه التكنولوجيا عن أهدافها الإنسانية التي وجدت من أجل تحقيقها.
ويبدو أن هناك آثار سلبية كثيرة غير متوقعة
ظهرت بسبب هذه التكنولوجيا، أو دعنا نقول بسبب الدخول المفاجئ والسريع
في عصر الإلكترونيات وشبكات الاتصال،
وسنركز على سلبية واحدة فقط لما لها من علاقة بإشكالية البحث، وهي دفع
المرجعيات التقليدية إلى الانكفاء أي عدم
الانقياد إلى هذه المرجعيات، بحيث أصبح المجتمع الجديد (الافتراضي) ينتظم
حول الشبكات بعدما كان منتظما حول
هرمية السلطات الاجتماعية والسياسية، وتراجع دور الدولة في التنشئة الاجتماعية
للشباب، واختفى دور المجتمع المدني
- وبالأخص
الأحزاب التي كانت تشكل قطبا جاذبا لحيوية ونشاط الشباب – في التنشئة السياسية، وتحللت
الأيديولوجيات
السياسية التي كانت تشغل تفكيرهم وتحاكيهم في طموحاتهم وأحلامهم، لتحل
محلها أيديولوجيات جديدة تعكس خلفيات
التقنية والانترنت والعصر الرقمي. إن التأمل مليا في انتشار الاتصالات
حول العالم يجعلنا نطرح جملة من الأسئلة
المصيرية مبنية على المسلمة التالية: وراء كل آلة (وسيلة(تفكير وكل
آلة ستشكل أيديولوجيا؛ من هذه الأسئلة ما هو
مرتبط بهذا البحث، ومنها من فرض نفسه كسؤال كوني ينتظر الإجابة من خلال
ما ستفرزه التطورات المتلاحقة
والسريعة للتقانة التي يبدو أنها لن تستقر على وضع معين.
فإلى من ستؤول السلطة في المستقبل؟
إلى المواطنين أم إلى الدولة؟
وما العلاقة بين الهوية والأمن؟
وهل الخصوصية مقوم من مقومات الهوية؟
ما ذا يعني التخلي عن أيديولوجياتنا القديمة؟
وما الذي سيتغير عندما يصبح الجميع متصلين؟
هل سنصبح كلنا جزء من العصر الرقمي الجديد؟
وهل سنتخلى عن هويتنا الأرضية يوما ما؟
وهل ستعطينا الهوية الجديدة أيديولوجيا جديدة؟
ما هي هذه الأيديولوجيا؟
إشكالية الدراسة
إذا كان الواقع الأرضي يعاني من
إشكاليات الفقر، والقتل والظلم، وعدم تكافؤ الفرص أمام سكان العالم، وغيرها من
الإشكاليات التي صاحبت وجود الإنسان منذ سكن الأرض، فإن الفضاء
الالكتروني رغم ترفعه عن الأرض والمادة،
ورغم السمة التخيلية الافتراضية
التي يتمتع بها، لا يخلو أيضا من إشكاليات أثقلت كاهل قاطنيه. وإذا كانت المرجعيات
التقليدية قد انكفأت في هذا العالم، بمختلف أيديولوجياتها كما زعمنا في
مقدمتنا، فما هي الأيديولوجيا الجديدة التي أصبحت
مرجعية لسكان العالم الافتراضي؟
تساؤلات الدراسة
ما هي هوية الفضاء الإلكتروني؟
ما هي سمات العالم الافتراضي؟
وما هي الخلفيات الأيديولوجية
للعصر الرقمي؟
وهل للتقنية وللإنترنت والمعلومات خلفيات أيديولوجية؟
وكيف هي سيكولوجيا الفضاء الرقمي؟
أي كيف هو شعور سكان هذا العالم؟
وأخيرا ما هي إشكاليات سكان الفضاء
الالكتروني؟
منهج الدراسة: يبدو من طبيعة التساؤلات أن المنهج المناسب
لمثل هذه الدراسات هو المنهج الوصفي، مع توظيف
التحليل عندما يقتضي التساؤل ذلك.
التعريف الإجرائي للمصطلحات: لابد من الاتفاق المسبق على المعاني التي
سأعطيها وظيفيا أو إجرائيا للمصطلحات
الكبرى التي تتداولها هذه الدراسة، وسنحددها فيما يلي:
أ- الأيديولوجيا: نعني بها
في هذا البحث العقيدة التي تتحكم في تشكيل تصورات سكان العالم الافتراضي.
ب - الفضاء الرقمي: أو العالم الافتراضي أو الفضاء السيبراني أو العالم الالكتروني كلها مصطلحات نستخدمها بمعنى
واحد وهو الاتصال المستمر بين سكان الأرض على مستوى شبكة الانترنت، مما يقتضي التزامنية.
ج - الخلفيات المرجعية: نستخدم هذا المصطلح في هذا البحث بالمعنى الآتي: الأطر التي يحتكم إليها الأفراد.
د - سيكولوجيا: الجانب الشعوري في الإنسان أو الجماعة.
هيكلية البحث: يتأسس البحث على فصلين يتناول كل منهما مجموعة من القضايا والاشكاليات، حيث يتناول الفصل
الثالثة ففي الخلفيات الأيديولوجية للإنترنت. أما الفصل الثاني فعالج مسألة
أيديولوجية الفضاء الرقمي وهذه هي
قضية إشكالية الدراسة، وتناول ثلاثة قضايا كذلك، أولا: هوية الفضاء الإلكتروني، ثانيا: إشكاليات الفضاء الالكتروني
حيث تطرقنا إلى الإشكاليات الواقعية، والإشكاليات الذاتي التي حددناها
في: إشكالية الحقيقة، وإشكالية الذات، وإشكالية
النص. أما القضية الثالثة فتناولت سيكولوجيا الفضاء الرقمي وفيها عرضنا
لسمات العالم الرقمي وهي: السمة الأولى:
غياب المظهر الفيزيولوجي، والسمة الثانية: الإدراك المهجن، والسمة الثالثة:
عدم تطابق الزمن الطبيعي مع الزمن
النفسي، والسمة الرابعة: تعدد الهوية، والسمة الخامسة: الثقة العالية في
النفس، والسمة السادسة: الحضور الأسطوري للنص.
الفصل الأول
الخلفيات الأيديولوجية للعصر الرقمي
يهدف هذا الفصل إلى دراسة التشكلات الفكرية التي سبقت وجود العنصر المكون
للعصر أو الحقبة، التي في الغالب تأخذ
طابعا أيديولوجيا، يختلف حوله الناس - فهما وتعاملا – بسبب عدم اكتمال
معالمه البنيوية التي تسمح له بإثبات وجوده
الوظيفي، كما أن هذه الأفكار (التي سميناها بالخلفيات الأيديولوجية) التي
تسبق وجود الشيء تتراوح المواقف حولها بين
الرفض والقبول، وبين التأييد والمعارضة، وبين التشكيك ومنح الفرصة. فما
هي الخلفيات الأيديولوجية التي سبقت تشكل
عصرنا الرقمي هذا؟ سندرس في هذا الفصل ثلاثة مكونات أساسية نعتقد أنها
مسؤولة عن تشكل العصر الرقمي بمختلف
امتداداته من الفضاء الإلكتروني إلى المجتمع الرقمي مرورا بعولمة كل مظاهر
الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية
والاقتصادية، والتي كانت في الماضي القريب تمثل خصوصيات قومية محضة. تتمثل
هذه العناصر في المعلومات،
والتقنية، والانترنت، وجاء ترتيبها على هذا الشكل وفقا لوجودها الزمني
في التاريخ البشري، حيث أن المعلومة والتقنية
هي خصائص الإنسان عبر كل الأزمنة، بينما الإنترنت هي خاصية الإنسان المعاصر
حصرا.
أولا: أيديولوجيا المعلومات
عندما تتسبب إذاعة بعض المعلومات الخاطئة - في بلد إفريقي - في إبادة بشرية
فاقت عددا ما أبادته القنبلة الذرية
في هيروشيما (1)، وعندما يؤدي التركيز الإعلامي على ساحات الاعتصام
في القاهرة إلى إسقاط أنظمة سياسية عاتية،
ومع إمكانية تجمع ألاف البشر وربما مئات الآلاف من مختلف مناطق العالم
على منصة واحدة لمناقشة القضايا العامة في
وقت واحد، واتخاذ قرارات مصيرية دون أن يروا بعضهم بعضا، فإننا نكون إزاء
عصر جديد، لم تعرفه البشرية
من قبل (2).
إن المعلومة التي ابتدأت مع ابتداء التكون الفعلي للعقل البشري، هي التي
استمرت مع هذا التكون في شتى تشكلاته
الفردية والجماعية والمجتمعية. وبذلك أسست للكيان الإنساني، وانطلاقا من
مفهومها المبسط كفكرة تأخذ تدرجها المعرفي
في العقل البشري ومرورا بتفاعلها مع حياة الإنسان اليومية ووصولا إلى استقلالها
في العصر الحديث باكتمال مفاصلها
الذاتية كعلم، وإيلائها أهميتها التخصصية، فقد أصبحت المعلومة تتجسد تقريبا
في كل شيء يحيط بالبشر.
عندما ظهرت تكنولوجيا الصناعة اعتقد الناس أنها ستخلصهم مما خلفته تكنولوجيا
الزراعة من ظلم وفقر وجهل ومرض،
وستؤدي إلى زيادة في إنتاجية الموارد البشرية والمادية والطبيعية، وإلى
زيادة الاهتمام بالتعليم، وتوفر الغذاء والمسكن
والعمل والعلاج للجميع. ثم اكتشف الناس بعد ذلك أن تكنولوجيا الصناعة أدت
إلى تدمير البيئة، واستنفاد الموارد
الطبيعية، وسوء استغلال الإنسان، وزيادة الفجوة بين طبقات المجتمع، والاغتراب
الاجتماعي، وتدني القيم الروحية،
وتضخم النزعة الاستهلاكية...، وعندما ظهرت تكنولوجيا المعلومات، وهي تكنولوجيا
نظيفة صديقة للبيئة، اعتقد الناس
أن هذه ستخلصهم من سلطة المؤسسات وتتيح المعرفة للجميع وتطلق القدرات الإبداعية
للفرد، وتخلص العالم من أسباب
النزاعات بفضل شفافية التواصل الإنساني التي توفرها. فيتحول العالم إلى
مدينة صغيرة ويسود السلام. لكن ما سمعناه
ورأيناه فيما بعد، هو أحاديث عن العنف الالكتروني وإرهابه، وإدمان المراهقين
والقرصنة المعلوماتية والسرقات
الالكترونية..، وقد اتخذت هذه الظواهر صورا مختلفة أشد الاختلاف عما كنا
نعقله في واقعنا الماضي، من حيث الأساليب
ووسائل التعامل، ومن حيث الآثار، على الفرد والمجتمع الإنساني بصفة عامة.
إن المعرفة هي القوة التي تمكن العاقل من أن يسود، ومن يمتلكها يهاجم بلا
مخاطر، وينتصر بلا إراقة دماء وينجز ما
يعجز عنه الآخرون، وجاءت تكنولوجيا المعلومات لتضيف إلى هذه القوة سرعة
الانتشار، وإمكانية الامتلاك لعامة الناس.
لقد أصبحت المعلومات والمعرفة - في هذا العصر - أهم ركائز القوة السياسية
والاقتصادية والعسكرية، ويزداد ثقلها يوما
بعد يوم في موازين القوة العالمية، وكما أن المعرفة قوة، فالقوة أيضا معرفة،
كما خلص إلى ذلك ميشيل فوكو، فالقوى
السياسية والأيديولوجية، تعمل على توليد خطابات معرفية تخدم أغراضها وتروج
لأفكارها سعيا لتثبيت سلطانها وتأمين
مصالحه.
يمارس العنف المعلوماتي اليوم عن طريق قوى افتراضية اشتهرت بحرب المعلومات
وهي تختلف جوهريا عن القوى
التقليدية الصلبة، أو الحرب التقليدية. فحرب المعلومات تعمل بالجذب والترغيب
لا بالضغط والترهيب، وتخاطب العقول
والقلوب، من أجل اكتساب الآراء لا كسب الأرض، ومن أجل انتزاع الإرادة الجماعية
لا نزع السلاح والملكية، ومن أجل
فرض المواقف والآراء بدلا من فرض الحصار والجوع. لذا أصبح توسيع
نطاق الإعلام في مقام نشر القوات وأصبحت الأجندة في مقام التكتيك
والهوائيات والفضائيات في مقام ترسانات الأسلحة
ومنصات الصواريخ وأصبح التلفزيون، والانترنت، وغيره من وسائل الإعلام آلات
حرب. ومن حيث أسلوب الممارسة،
تختلف حرب المعلومات عن نظيرتها في القدرة الهائلة على المناورة زمنيا
وجغرافيا، وتمارس بصورة مستمرة ودائمة،
بينما لا تستخدم القوة في الحرب التقليدية إلا في حالات الضرورة (3(
.
إن خطورة عصر المعلومات تكمن في طبيعة المعلومات ذاتها، فعلى العكس من القوى الصلبة التقليدية
التي تستخدمها
الجيوش والأجهزة البوليسية، تزداد ضراوة المعلومة كلما رهفت واستترت وخفتت
فيها نبرة القوة. إن هذه الخاصية
الفريدة للمعلومة هي التي تزيد من قدرتها، وتغلغل مفعولها لينفذ إلى طبقات
اللاوعي الفردي والجمعي، حيث تؤثر
بصورة لا إرادية، وهو الأمر الذي يزيد من صعوبة ملاحقتها والتصدي لها.
لقد ضعفت الاتصالات الصغيرة المبنية على العلاقات التفاعلية المادية بين
ذوات الأشخاص، أمام قوة الاتصالات الكبرى
القائمة على التفاعلات الافتراضية داخل الرقميات، لقد غاب الشباب في هذا
العصر عن المشكلات الحقيقية للمجتمعات الموضوعية، وانكفأ داخل عالم مليء بالتناقضات
واللامبالاة والعبثية.
لقد اختلت علاقة الشباب مع الزمان
والمكان بسبب الانفتاح على الآنية المستمرة والتدفق اللامحدود للمعلومات، والتدمير
التدريجي للمعالم المكانية "الساحة العامة، الشارع الحي" الأمكنة المميزة للبناء الاجتماعي، للمواجهة مع الآخرين
وللمتفصل ما بين الاجتماعي والاقتصادي، وانتشرت الدعوات إلى إلغاء كاريزمات
الدين، والأيديولوجيا والسياسة،
وغرقوا في مشاهدة الأيقونات والرسومات
التجريدية. إنها اللاواقعية منقوشة في أفكارهم وحواراتهم. لقد زاد غلو الشباب
الافتراضي في شخصيات الرياضة والطرب، والترويج للإغراءات الشهوانية للإعلان.
وجميعها طرق للعودة إلى الجسد
المطرود عنوة من الاتصال الرقمي. إنهم ينتقدون وسائل الإعلام، ويبثون رسائل
اجتماعية تنتقد برامجها الثقافية، ثم
يتحدثون عن اللذة والمتعة وحرية الشهوة كقيمة مثلى، وهي نفسها الموجودة
في محتويات وسائل الإعلام كقيم ثقافية،
يعارضون العولمة وقيمها المدمرة للثقافات والخصوصيات الاجتماعية، ثم يقفون
مبهورين أمام هذا الاتصال الرائع الذي
يوحد الكرة الأرضية، ويدعون إليه، إنها مفارقات في عالمنا الحقيقي، ولكنها
تكاملات في عالمهم المعلوماتي.
نفس منطق التناقضات هذا ظهر على سلوكيات الدولة، فالمعلومات تؤثر في سلوك
الدولة، وتغير في طموحاتها، والدولة
اليوم مضطرة لا يجاد أسلوبين في ممارسة سياساتها المحلية والخارجية، سيكون
الأسلوب الأول مخصصا للعالم المادي
الحقيقي، بينما يركز الأسلوب الثاني على العالم الافتراضي الموجود على
الانترنت. وقد تبدو هاتان السياستان متناقضتين
في بعض الأحيان، فقد تمارس الحكومة القمع في إحدى العالمين بينما تسمح
بسلوكيات معينة في الأخرى. وقد تلجأ
إلى الحرب في الفضاء الرقمي بينما تحافظ على السلام في العالم المادي،
لكن هاتين السياستين ستجسدان سعي هذه الدول
إلى التعامل مع التهديدات والتحديات الجديدة التي تحيق بسلطتها والتي أصبحت
ممكنة من خلال الاتصال.
ثانيا: الخلفية الإيديولوجية للتقنية
شيئا فشيئا، ستصبح الآلة جزءا من الإنسانية ... هكذا كتب المؤلف الفرنسي
أنطوان دوسان أكزوبيري في مذكراته
المنشورة عام 1939 تحت عنوان الريح، والرمال، والنجوم تحدث دوسان عن الطريقة
التي يميل بها الناس الى الاستجابة
للتكنولوجيا الجديدة، مستخدما كمثال التقبل البطيء
للسكك الحديدية في ا لقرن التاسع عشر حين شجبت المحركات
القاذفة للدخان، والصوت المدوي للقاطرات، حيث تم وصفها بالوحوش المعدنية
في ذلك الوقت. ثم أخذت المدن تشيد،
مع مد المزيد من خطوطا لسكك الحديدية، ومحطات للقطارات، وتدفقت لبضائع
والخدمات، وتوفرت وظائف وأعمال
جديدة، وتكونت ثقافة حول هذا الشكل الجديد للنقل، وتحول الإعراض إلى قبول
،بل و إلى تحبيذ، ما كان ذاتي وموحشا
حديديا أصبح الحامل لأفضل من نتاجات الحياة. وانعكس التغير في فهمنا على
اللغة التي نستخدمها، فبدأنا نسميها الحصان الحديدي (4) .
يبدو أن القاسم المشترك للتغير الاجتماعي كان دائما التحول الذي تحدثه
الآلة. وكثيرة هي الأسئلة التي بالإمكان طرحها
في شأن التغير الاجتماعي في هذا السياق، فمثلا
ما هي طبيعة التغير الذي تحدثه التقنية؟
وهل هي عامل للتحول أو نتيجة له؟
أم هي مظهر من مظاهره؟
ما هي العوامل الاجتماعية التي يمكن استخلاصها
من عملية التطور التقني المعلوماتي بشكل عام؟
وماهي المظاهر الحقيقية التي تتصل بفاعلية التقنية التغير الاجتماعي؟
ماهي مظاهر التغير الكبير الذي
حصل في العقود الأخيرة للحضارة الإنسانية؟
وهل التقنية حتمية التغير أم أن الحتمية التغيرية، تقع على عاتق اجتماعية
بني الإنسان؟
أين نحن فيما يعرف بعصر المعلومات وهذه الظاهرات التقنية المعقدة التي
تحيط بنا من كل مكان في المجتمع البشري
الحالي؛ وبخاصة ما تأتي به منتجات تقنية المعلومات؟
إن ما يظهر على المجتمعات من تغير الأحوال يأتي مرتبطا بالمظهر الخارجي
للمرحلة التي تتأسس باكتمال تشكل
السلوك الاجتماعي والتصور العام للواقع البشري. وبغض النظر عن العوامل
المختلفة للتغير والتي تفيض بها المؤلفات
الاجتماعية، يبرز العامل التقني كأقوى العوامل المؤثرة في عملية التغيير،
لدرجة أن مظهر التغير نفسه يقترن في
غالبية الأحوال المجتمعية بنوع التقنية المستخدمة في ذات المرحلة (5)
، تماما مثلما غيرت طباعة جوتنبرغ الثقافة الغربية
إلى الأبد. إن التقنية هي إفراز بشري كما أن البشرية في حضاراتها المتنوعة
هي إفرازات تقنية بشكل ما. إنها جدلية
البقاء المادي المعنوي للإنسان. لقد فرضت التقنية وجودها على الطبيعة،
وعلى العلم بالطبيعة، وعلى المعرفة بتاريخ
الحضارة الإنسانية، فالتقنية ذاكرة الحضارة ومنتهى العلوم بل إن التقنية
تدل على مدى امتداد الحضارة وقوتها وعراقتها.
إن الطبقات الاجتماعية بدورها نتاج للتقدم الاقتصادي المرتبط بالنمو المعقد
للتقنيات.
لقد ارتبط إنسان هذا العصر بالتقنية أكثر من أي عصر آخر، وبالتالي كان
أثرها عليه أعمق من أي مرحلة من مراحل
حياته الاجتماعية، فبغض النظر عن مدى تعقيد نظام التقنية، فسوف يكون استخدامه
بالنسبة للإنسان أمرا غاية في
السهولة، فبمجرد أن تخبر آلتك بالشيء الذي تريد أن تقوم به فستجد ما طلبته
ينجز دون جهد ظاهر. لقد أوجدت
التقنية تسهيلات رائعة للإنسان، وأظهرت قواعد جديدة لآداب الاجتماع، وأصبحنا
نبني تصوراتنا وفلسفاتنا وثقافاتنا وفقا
لما تتطلبه التقنية.
وستظهر فلسفة التقنية في حياة الناس فيما يلي:
• لا زالت
التقنيات تلعب دورا هاما في حياتنا.
• التوقعات
حول أمن تقنية المعلومات غير ممكنة دون تقييم التغيرات في التقنية وحتى المجتمع بشكل
عام.
• تقنيات
جديدة تغير العالم الرقمي بشكل جذري، وتجعل غالبية الأجهزة المستخدمة في الوقت الراهن
ومصانعها غير
مطلوبة.
• أجهزة التلفزة،
الحواسب، الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية ستحل مكانها نظارات الواقع الموسع.
• البرامج،
الأفلام، ستصبح منتجات معتمدة على الحوسبة السحابية (5) بمجملها.
• الأجهزة
الخاصة بالألعاب ستحل مكانها فضاءات ألعاب افتراضية كبيرة متاحة للجميع
•
أنظمة نقل مؤتمتة (6) بالكامل ستغير من أساليب تنقل الناس.
• كنتيجة
لتطور الذكاء الاصطناعي ستكون حياة الناس والرفاهية معتمدة بشكل كبير على التقنية ما
يتعارض مع
الذوق العام.
• الأنظمة
الحاسوبية المعقدة التي تتولى إدارة العمليات المختلفة ستكون نعمة كبيرة أو نقمة كبيرة
انطلاقا من
طريقة تعامل الناس مع الذكاء الاصطناعي ومدى جودة تشغيل هذه الأنظمة.
ثالثا: في الخلفيات الأيديولوجية للإنترنت
الانترنت من الأشياء القليلة التي بناها البشر من دون أن يفهموها حق الفهم.
فما بدأ كوسيلة لنقل المعلومات إلكترونيا
من حاسب إلى حاسب، تحول إلى منفذ متعدد الوجوه للطاقة البشرية والتعبير
البشري منتشر في كل مكان. فهي شيء غير
ملموس، ولكنها في الوقت نفسه في حالة تغير دائم تزداد معها نموا وتعقيدا
بمرور كل ثانية. إنها مصدر خير وفير، لكنها
قد تكون أيضا مصدرا لشرور مروعة.
إن كل ما شهدناه حتى الآن ليس سوى بداية لأثرها على المسرح العالمي (7).
لم يشهد التاريخ تجربة تضاهي الانترنت في فوضويتها. فمئات الملايين من
البشر يعملون كل دقيقة على إنتاج قدر غير
مسبوق من المحتوى الرقمي في عالم افتراضي، كما يعملون على استهلاكه. وهذه
القدرة الهائلة على التعبير بحرية،
وعلى نقل المعلومات بحرية أيضا هي التي أنتجت المشهد الافتراضي الذي نعرفه
اليوم. عندما نفكر في جميع المواقع
الالكترونية التي نزورها يوميا، وجميع رسائل البريد الالكتروني التي أرسلناها،
وفي ما تعلمناه من حقائق، وفي العلاقات
الإنسانية التي تشكلت، وفي الأحلام الاجتماعية التي ولدت، وعندما نفكر
أيضا فيما قد يحدث عند غياب التحكم وفقد
السيطرة؛ من الاحتيال عبر الانترنت، ومواقع مجموعات الكراهية، والاتجار
بالأطفال والجنس اللامحدود، وغرف
محادثة الإرهابيين. هذه هي الانترنت. إنها أكبر فضاء خارج عن السيطرة في
العالم (8).
مع نمو هذا الفضاء سيتغير فهمنا لكل جانب من جوانب الحياة تقريبا، بدءا
من تفاصيل حياتنا اليومية، ومرورا
بالأسئلة الأكثر عمقا المتعلقة بالهوية والعلاقات، وصولا إلى الأمن. فالعوائق
التي طالما وقفت في وجه التواصل البشري،
كالجغرافيا واللغة ومحدودية المعلومات، لا تنفك تتهافت جميعها بفضل التقانة،
لتبرز بذلك موجة جديدة من الإبداع
ومن الإمكانيات البشرية. ويدفع التبني الجماهيري للأنترنت نحو أكثر التحولات
الاجتماعية والثقافية والسياسية إثارة
عبر التاريخ، وستكون آثار التغيير هذه المرة – على خلاف الحقبات السابقة
– شاملة كليا. إذ لم يحدث في التاريخ
مطلقا أن توفر بين أيدي الناس – من أماكن متنوعة جدا –كل هذا
القدر من القوة. وإذا لم تكن هذه هي أول ثورة تقانية
في تاريخنا، فإنها الأولى التي ستمكن أي شخص تقريبا من امتلاك المحتوى
بالزمن الحقيقي، وتطويره ونشره من دون أن
يكون عليه اللجوء إلى وسطاء.
مع استمرار الاتصالات العالمية في تقدمها غير المسبوق، سيتوجب على الكثير
من المؤسسات والبنى الهرمية التأقلم
معها، وإلا فإنها ستجازف بأن تصبح قديمة ومنفصلة عن المجتمع الحديث. وليست
تلك النزاعات التي نشهدها اليوم في
الكثير من مجالات الأعمال – الكبيرة منها والصغيرة – سوى أمثلة على التحول
الجذري القادم على المجتمع؛ إذ ستستمر
تقنيات الاتصال لتغيير مؤسساتنا من الداخل ومن الخارج، وستزداد إمكانية
وصولنا إلى أناس خارج حدودنا ومجموعاتنا
اللغوية، وسيزداد ارتباطنا بهم حيث نشاركهم الأفكار ونصرف معهم الأعمال
ونبني معهم علاقات أصيلة (9).
سيجد معظمنا أنفسهم – على نحو مضطرد – يعيشون في عالمين في آن معا. فكل
منا سيعيش في العالم الافتراضي نوعا
ما من التواصل، وسيكون ذلك سريعا وعبر تشكيلة كبيرة من الوسائل والأجهزة.
أما في العالم المادي، فسنظل نصارع
الجغرافيا، وعشوائية الولادة) حيث يولد البعض أغنياء في بلدان غنية، بينما
يبقى معظم الأشخاص فقراء في بلدان فقيرة(،
والجانبين الخير والشر من الطبيعة الإنسانية. إن الإشكالية الكبيرة هي
في كيف يستطيع العالم الافتراضي أن يجعل العالم
الفيزيائي أفضل أو أسوأ، أو ربما مختلفا فقط. وربما يقوم هذان العالمان
أحيانا بتقييد أحدهما الآخر، وقد يتصادمان أحيانا
أخرى، أو يكثف أحدهما ظواهر العالم الآخر ويسرعها ويفاقمها؛ حيث يتحول
الفرق في الدرجة إلى فرق في النوع (10).
لقد أصبحت الإنترنت أمرا مهما في حياة الإنسان، تؤدي خدمات أساسية لصالح
المجتمع، في مجالات التعليم و الصحة
و السياسة و الاقتصاد والتجارة ، والأهم من هذا؛ إنها أكبر فضاء للاتصال
الإنساني والتواصل الاجتماعي والتفاهم بين
مختلف الشعوب والثقافات في تاريخ البشر، وهو ما جعلها شعارا للتسامح وإقرار
السلام. هذه الوسيلة هي في الوقت ذاته
أداة لتهديد الحياة الإنسانية ونشر الرعب والخراب والدمار.
إنها كغيرها من وسائل الإعلام تستعمل في الخير والشر، إن هذه المفارقة
التي تميزت بها الانترنت جعلت الجماعات
الشاذة فكريا تتجرأ على استعمالها لنشر الشر والحقد والدمار.
الفصل الثاني
أيديولوجية الفضاء الرقمي
لقد بدأت هوية الفضاء الإلكتروني تزداد وضوحا بعدما كانت رقعة واسعة من
الظلام، في الوقت الذي أصبحت فيه هوية
مكوناته تزداد غموضا.
أولا: هوية الفضاء الإلكتروني
بدأ الفضاء الإلكتروني مساره العلمي ككلمة في أدب الخيال العلمي عام
1980 ، وفي التسعينيات من القرن الماضي
أصبح يشير إلى جميع الأشخاص الذين يعيشون في مكان واحد أو مؤسسة أو بيت
وهم في حاجة إلى الاعتناء ببعضهم
عن طريق تقسيم توفير المستلزمات الضرورية. ثم اتسع نطاق استخدامه من قبل
محترفي الكمبيوتر والهواة، من
استخدامات الإنترنت، و الشبكات، والاتصالات الرقمية التي كانت تنمو بشكل
كبير، وكان كل مصطلح "الفضاء
الإلكتروني" قادرة على تمثيل العديد من الأفكار والظواهر الجديدة
التي تم الناشئة.
أصل مصطلح الفضاء الإلكتروني هو السيبرنيطيقا أو "علم التحكم الآلي"، والمستمدة من اليونانية
القديمة kybernētēs
التي تعني التحكم في القيادة، أو المرشد، وقدمت هذه الكلمة من قبل نوربرت
وينر
Norbert Wiener الذي عمل كرائد
في مجال الاتصالات الإلكترونية وعلوم السيطرة ( 11
).
بعد ظهور مواقع التواصل الاجتماعي منذ 2004 كتجربة اجتماعية مميزة، أصبح
بإمكان الأفراد التفاعل وتبادل الأفكار
والمعلومات ، وتوفير الدعم الاجتماعي ، وإجراء الأعمال التجارية، وخلق
الوسائط والمدونات، والألعاب التفاعلية،
والانخراط في النقاشات السياسية، وكل ذلك باستخدام هذه الشبكة العالمية.
لقد أصبح الفضاء الإلكتروني وسيلة تقليدية لوصف أي شيء يرتبط مع شبكة الإنترنت
وثقافة الإنترنت المتنوعة.
وتعترف الولايات المتحدة بأن تكنولوجيا المعلومات المرتبطة بالشبكة من
البنى التحتية لتكنولوجيا المعلومات
والاتصالات، وهي بدورها جزء من البنية التحتية القومية الحيوية للولايات
المتحدة
.
يعرف الفضاء الإلكتروني أكثر التفاعلات الاجتماعية حركية وحيوية في التاريخ
البشري، فهو أكبر المجالات
إنتاجا للمحتوى التواصلي، لأن المتوسط الحسابي للمتفاعلين في الفضاء الإلكتروني
هو أكبر بكثير من المتوسط الحسابي
للمتواصلين في العالم الحقيقي، لذا فإن من السمات الأساسية للفضاء الإلكتروني
أنه يوفر بيئة تتكون من العديد من
المشاركين، لهم القدرة على التأثير والتأثر على بعضهم البعض. إن الملاحظة
المستمدة من هذا المفهوم أن الناس يسعون
من خلال هذه التفاعلات – بغير قصد – إلى رفع مستويات التعقيد وزيادة درجات
العمق داخل العالم الافتراضي.
يستخدم دون سلاتر Don Slater الاستعارة لتعريف الفضاء الإلكتروني،
واصفا " إن الشعور بالوضع الاجتماعي
الموجود بشكل بحت ضمن مساحة الاتصالات التقليدية، كان موجودا بالكامل داخل
فضاء الكمبيوتر، عندما تم ربطه
بالشبكات، لكنه ازداد تعقيدا. فمصطلح "الفضاء الإلكتروني " الذي
كان بحكم الأمر الواقع مرادف لشبكة الانترنت خلال
التسعينات، أصبح في الأوساط الأكاديمية - بعد ذلك – مرادفا للعولمة والمجتمعات
الالكترونية الناشطة (12) .
في هذا العالم الصامت، يتم كتابة كافة المحادثات والأفكار والمشاعر. للولوج
إليها، فيهجر الإنسان كل من الجسم والمكان
وتبقى الكلمات وحدها. هؤلاء هم سكان الشبكة يقيمون فيها بكلماتهم. في هذا
العالم تعود اللغة الرمزية من تحت أنقاض
الكتابة التقليدية، بحروفها لتشكل معالم العمران الافتراضي، بعدما دكتها
الصورة التلفزيونية لعقود طويلة. فهي تمتد
عبر تلك المنطقة الهائلة من الدول الإلكترونية والمجالات المغناطيسية،
ونبضات الضوء والفكر لتشكل ملامح الفضاء
الافتراضي.
على الرغم من، الاستخدام الفضفاض لمصطلح "الفضاء الإلكتروني"
في الوقت الحاضر الذي لم يعد يعني الانغماس
في الواقع الافتراضي فحسب، لأن التكنولوجيا الحالية تسمح بإدماج عدد من
القدرات (كأجهزة الاستشعار، والإشارات،
والاتصالات، والإرسال، والمعالجات، والتحكم الآلي) لإنشاء تجربة تفاعلية
افتراضية يمكن الوصول إليه بغض النظر
عن الموقع الجغرافي.
لا ينبغي الخلط بين الفضاء الإلكتروني والإنترنت، فغالبا ما يستخدم هذا
المصطلح للإشارة إلى الهويات التي توجد داخل
شبكة الاتصالات نفسها، فمواقع شبكة الإنترنت، يمكن أن تصنف في "موجودات
في الفضاء الإلكتروني" (13) . وفقا لهذا
التفسير، فإن الأحداث التي تجري على شبكة الانترنت لا تحدث في المواقع
حيث يوجد المشاركين أو الخوادم، ولكن تقع
"في الفضاء الإلكتروني". لقد أصبح هذا الفضاء كيانا قائما بذاته
منفصلا عن الشبكة وعن المستخدمين، لقد أصبح بالفعل
عالما له هويته الخاصة وفلسفته وسياساته وقوانينه.
أولا، يوصف الفضاء الإلكتروني بتدفق البيانات الرقمية من خلال شبكة من
أجهزة الكمبيوتر المتصلة، لأن المرء لا يمكن
تحديد موقعه مكانيا ككائن ملموس، ولا تظهر آثاره بشكل واضح مثلما تظهر
في العالم الحقيقي.
ثانيا، الفضاء الإلكتروني هو موقع
الاتصالات التي تتخذ في الغالب أشكال بديلة عن الهوية الحقيقية، مما يثير تساؤلات
مهمة في علم النفس الاجتماعي من
استخدام الانترنت، والحياة والتفاعل، والعلاقة بين الحقيقي والخيالي. لقد أصبح
الفضاء الإلكتروني يلفت انتباه المتخصصين في شتى الحقول إلى مشكلة الثقافة
من خلال تقنيات الإعلام الجديد، التي لم
تعد مجرد أدوات للاتصال، ولكن أصبحت تمثل الوجهة الاجتماعية. أخيرا، يمكن
اعتبار الفضاء الإلكتروني خلفيات
جديدة لإعادة تشكيل المجتمع والثقافة من خلال الهويات "الخفية".
ثانيا: إشكاليات الفضاء الالكتروني
سنتناول إشكاليات هذا الفضاء من
زاويتين؛ الأولى من الزاوية الواقعية الموضوعية، وما يولده المحيط الخارجي لهذا
الفضاء (العالم المادي الصلب)، والثانية هي إشكاليات فلسفية ذاتية ملازمة
للداخل البنيوي المؤسس لعقلية الفضاء الالكتروني.
-1 الإشكاليات
الواقعية : يرتبط الفضاء الالكتروني بخمسة أبعاد، تؤطر وجوده
الافتراضي؛ أولا: البعد التكنولوجي الذي
يتعلق بالشبكات والمعلومات. ثانيا: أمن الشبكات. ثالثا:
البعد الاقتصادي. رابعا: القوانين المتعلقة بالتعامل مع الجريمة
والإرهاب. خامسا: علاقة الإرهاب الإلكتروني بالأمن القومي، وما
يتطلبه من أهمية توافر حماية للبنية التحتية القومية
للمعلومات. إن حدوث خلل على مستوى هذه الأبعاد يولد جملة من الإشكاليات
القهرية التي جعلت من هذا الفضاء بيئة
ثانية للنزاعات والصراعات الاثنية، والسياسية، والأيديولوجية.
أصبح للفضاء الإلكتروني أهمية كبيرة في تقديم الخدمات المدنية باعتباره
وسيطا في مجالات الاتصالات، وخدمات
الطوارئ، والصفقات المالية، والتجارية، والسياحية، وخدمات الإدارة الإلكترونية.
هذه الخدمات جعلته يشهد نشاطا بشريا
حيويا مميزا عن النشاط الذي يمارسه الإنسان في باقي المجالات البرية والبحرية
والجوية. ولقد ارتقت تلك الأهمية
ليصبح للفضاء الإلكتروني دورا استراتيجيا تتفاعل فيه جميع مصالح المجتمع
الدولي، على الصعيد الاقتصادي،
والسياسي، والثقافي، والأمني، والاجتماعي. حولت هذه المتغيرات الفضاء الالكتروني
إلى عالم موازي تماما للواقع
المادي بكل مكوناته وتعقيداته ومشكلاته. وهذا ما جعله يعاني من نفس إشكاليات
العالم الصلب. فإلى جانب الاستخدامات
السلمية داخل هذا الفضاء، ظهرت استخدامات أخرى غير سلمية، استغلت التوجه
البشري الكثيف نحوه، واعتماد
المؤسسات والجماعات والأفراد على خدماته الكبيرة. لقد انعكست آثار هذه
الاستخدامات على السياسات الأمنية الدولية
وعلى مجتمع المعلومات العالمي كذلك. فظهور أنماط جديدة من التهديدات غير
التقليدية، دفعت إلى تغيير عميق في نمط
استخدام القوة في العلاقات الدولية، حيث استبدلت القوة الصلبة التقليدية
التي كانت محور قواعد القانون الدولي، بقوة مرنة
ذات طابع إلكتروني لا تخضع لأطر قانونية واضحة. إضافة إلى هذا، فقد دخلت
الحركات الراديكالية ذات الخلفيات الدينية
أو العرقية أو الأيديولوجية كطرف أساسي في الصراع الدولي الجديد الذي تخوضه
الدول داخل الفضاء الالكتروني
للحفاظ على مصالحها الحيوية. وأخذت تلك الصراعات الإلكترونية صورا متعددة
يقع أغلبها في شكل الإرهاب
الإلكتروني. أصبحت القوى والأطراف المتعارضة
أقل اعتمادا على تسوية خلافاتها داخل النطاق الطبيعي المادي، حيث
اتجهوا إلى نقل صراعاتهم إلى الفضاء الإلكتروني، نظرا لما يتيحه هذا الفضاء
من أدوات جديدة للصراع وأسلحة غير
تقليدية متنوعة ورخيصة وسهلة الاستخدام، وظهر استخدام تلك القوة على نحو
غير سلمي تعبيرا عن حالة الصراع بين
الفاعلين من الدول ومن غير الدول داخل مجتمع المعلومات العالمي. ويعتبر
هذا انتهاكا واضحا للطابع السلمي للفضاء
الإلكتروني وشكلا جديدا من أشكال استخدام القوة في العلاقات الدولية، تلك
القوة التي انتقلت من طابعها المادي إلى
الطابع الافتراضي. لقد انعكس ذلك على مصادر القوة وموازينها وطرق توزيعها،
والتي أصبحت تعتمد بدرجة أقل على
التمسك بالأرض أو القوة العسكرية أو الموارد الطبيعية (14)
. إن الأعمال العدائية الواقعة داخل الفضاء الإلكتروني صنف
في أعمال الإرهاب، وليست عملا حربيا نظرا لخلوها من العناصر اللازمة لقيام
حرب، فضلا على أنها لا تلبي أيا من
شروط الحرب. ومع هذا فهي جريمة مكتملة الأركان. فما تتميز به الهجمات الالكترونية
من الضربات الاستباقية،
وعنصر المفاجأة والمباغتة، وبث الخوف والترويع، وتبادل هجمات الكر والفر،
تصنف كلها في فئة الإرهاب.
إن دخول الإرهاب في الصراع الإلكتروني - كما هو حال الصراع المادي – جعل
منه ظاهرة خاضعة لنفس عوامل
الصراعات في العالم الأرضي؛ دوافع سياسية، وأيديولوجية. وستمارس بنفس الطريقة
التي كانت عليها الظاهرة التقليدية.
فستنتهي به إلى ممارسة نمطين من السلوك : نمط عنيف يتم فيه استخدام قدرات
هجومية كبيرة بهدف تدمير شامل للنظم
المعلوماتية، والشبكات، والبنى التحتية، باستخدام الفيروسات والبرمجيات
الإلكترونية المتطورة. والنمط الثاني يتميز
بطبيعة مرنة، عن طريق سرقة المعلومات، والتأثير في المشاعر والأفكار، وشن
الحروب النفسية والإعلامية، والدعوة
والتجنيد. لقد تم تحويل الفضاء الالكتروني عن مساره الطبيعي، وأقحم كبيئة
استراتيجية وساحة جديدة في صراعات
أيديولوجية، وتم استغلاله كوسيلة للتدخل في شئون الدول الأقل تطورا، مما
أثر سلبا على طابعه السلمي الإنساني.
-2 الإشكاليات
الذاتية : ينظر الكثير من المنظرين إلى ثقافة وسائل الإعلام
بنظرة متفائلة على أنها ثقافة ايجابية ستزيد في
تحرر الشعوب وفهم الآخر المختلف ثقافيا. هكذا يتحدثون عن هذه الثقافة عن
أنها فجر إنساني جديد تعلي فيه التكنولوجيا
من القوة الشخصية. فقد انهارت الصفوة الإعلامية القديمة، وحلت محلها صفوة
جديدة صغيرة السن.
الأطفال هم المسيطرون. عباقرة البرمجة ومخترقو الكومبيوتر (Hackers) سيكونون الذوات الجديدة في ثقافة يوتوبية
تكنولوجية (15).
لسيت هذه التكنولوجيا التي أنشأت هذا العالم على هذا القدر من الايجابية،
هناك ثلاث إشكاليات اتسمت بها ثقافة العالم
الجديد، نحددها فيما يلي:
أ- إشكالية الحقيقة: لن تكون هناك
حقيقة واحدة يتم تداولها داخل هذا الفضاء، بل أكثر من حقيقة، مثلما هو الحال في
العالم الصلب أو العالم الحقيقي(الموضوعي). فهذا العالم لم يحل مشكلة الحقيقة
وإنما كرسها. كما أن إلغاء هذا الفضاء
للمكان، وتحويل الزمان إلى مدى غير خاضع لتغير الليل والنهار، جعل الحقيقة
بلا أساس مادي، قد تعتمد على الخيال،
وهذا ما لم يحدث في تاريخ البشر على الإطلاق، فسرعة نقل الخبر، وخفة تداوله،
والعجلة في تحليله، لا يجعل
للحدث الواحد حقيقة واحدة، فبتغير هويات وإيديولوجيات المتداولون داخل
الفضاء الالكتروني، تتغير الحقيقة، وإذا كانت
الحقيقة في العالم الواقعي تخضع لسياسات تحريرية تحد من مصداقيتها وتزيف
بعض جوانبها أحيانا أخرى، فإن الحقيقة
في العالم الافتراضي لا تخضع لشيء سوى لهوى المتداولون. وإذا كانت معرفة
الحقيقة حق طبيعي للإنسان، فإن هذا
الحق سيضيع في هذا العالم - الخالي من الضوابط – بضياع الحقائق نفسها أو
بتعددها.
ب- إشكالية الذات: في العالم الموضوعي، كانت الذات تعي
نفسها في ظل عمليات التنشئة الاجتماعية، التي ترعاها
الأسرة، والحي، والمدرسة، والمسجد، بخطابات كبرى تقدم إجابات عن أسئلة
أساسية:
مثل أسباب الوجود في الدنيا؟ والهدف النهائي منها؟
وما معايير الخطأ والصواب؟ وما هو الحق وما هو الباطل؟
لقد سقطت هذه الأسئلة الوجودية، مع سقوط الأفكار الكبرى داخل العالم الافتراضي،
وانهيار دور المرجعيات الاجتماعية
الأساسية فيه، وقيام أفكار صغرى همها كيفية إقامة علاقات تواصل متعددة
غير محدودة بزمان ولا مكان، وتأسيس كتلة
بشرية افتراضية ميزتها الكثرة والتعدد، وتسخير الذات للقيام بأدوار صغيرة
جدا، وهي بعيدة عن إدراك المعنى الحقيقي
لوجودها. غير واعية بمشاكلها الحقيقية. كانت الذات في العالم الطبيعي هي
مركز الاجتماع، أما في هذا العالم الخيالي
فإن الفضاء نفسه هو محور الالتقاء. فلا استطاعت هذه الذات التكيف مع مشاكلها
الحقيقية، ولا هي قادرة على تحقيق
إشباع حاجاتها البيولوجية، بنفيها للجسد الملازم لها حقيقة.
وقد أنظم مفهوم التفاعلية ليؤثر أيضا في رؤية الذات لنفسها، وموقعها في
بيئتها الاجتماعية، وأفكارها وقيمها، ومعتقداتها،
فالشخص في هذا الفضاء يتواصل مع أشخاص في مواقع مختلفة من الأرض، لهم ثقافاتهم
المختلفة، وأوضاعهم
الاقتصادية والاجتماعية المتباينة، همهم - كما يعبرون هم عن أنفسهم - التواصل،
هم في حاجة إلى فعل الاتصال، وكأنهم
يفتقدونه في بيئاتهم الطبيعية، بل هم يبحثون عن نمط جديد من التواصل وليس
التواصل في حد ذاته، هذا الاتجاه الجديد
في التفكير - الذي ساعدته تطور وسائل الاتصال- هو من أسس لمعنى الفضاء
الافتراضي، والواقع أن هذا المعنى لم ينف
الجسد الذي لازم الإنسان منذ خلقه فحسب وإنما ألغى الذات الاجتماعية كذلك،
التي هي أساس الذات الواعية. إنه بالفعل
عالم متمرد عن الطبيعة.
ج – إشكالية النص: كان النص في العالم الواقعي يخضع إلى
عملية القراءة من كل الإفراد بشكل منفصل فتتشكل لدى
كل واحد منهم أفكاره الخاصة بشكل منفصل كذلك، ويحدث هذا في كثير من الأحيان
في العلاقات الاجتماعية الكلاسيكية،
فهذه هي ميزة النص والقراءة منذ أن كان الرمز والصورة.
أما في الفضاء الالكتروني ما بعد الواقعي، فيتم جمع المعلومات بشكل مشترك،
وتكون إما خيالية، وإما عن حقائق واقعية
عن حوادث سياسية أو اجتماعية، أو شخصيات ذات صيت وشهرة، أو تجارب شخصية
عن استخدام منتجات استهلاكية،
فهذه هي منتهى معاني نصوصهم. لا يحتكر النص في هذا العالم من أي جهة، فهو
ملكية مشتركة، وتتاح كل النصوص
للمتلقي لاختيار ما يناسب ذوقه وثقافته. لم تعد صناعة النص خاضعة للمرجعيات
الفكرية الفذة، ولم يعد الجهابذة هم
وحدهم من يحتكر بناء النص. النص الافتراضي في الفضاء الافتراضي تصنعه التفاعلية،
فمن يصنع النص، هو نفسه من
يستهلكه.
يرى بوستر أن محرري النصوص الرقمية يكتبون رسائلهم بمنطق " الأطباء
النفسيين"، إذ أن لكل فرد حقيقته الخاصة،
ويجب ألا يشعر بالخجل أو الذنب نتيجة لحاله، ومن هنا ونتيجة تشذي الحكايات
تضيع النصوص الأخلاقية
الموضوعية، ويصبح ما هو صالح وأخلاقي بالنسبة إلى فرد لا يكون كذلك بالنسبة
إلى فرد آخر، إذ لا يدعي أحد امتلاك
الحقيقة، فوظيفة الثقافة في عصر الفضاء الالكتروني هي إرضاء الجميع، فالكل
على صواب، والتعايش أفضل من معرفة
الحقيقة (16) . هذه هي فلسفة الفضاء الالكتروني، الذي يبدو
عالما متحدا، لكنه في الحقيقة عالما متشظيا، لا أساس له
ولاسقف. ومن هنا، وكما يقول فرانسوا ليوتار: تصبح شبكة الانترنت هي فضاء
الحكايات الصغرى، أو النصوص
الصغرى، التي تحث على المتعة، والاستبصار بالذات، والإعلاء من شأن الفرد
على حساب المجتمع الذي قهره في
مرحلة الواقعية التي انتهت بالفشل في نظر الافتراضيين. إن هذا العالم، الذي كثرت فيه الرسائل (النصوص) غير
المرغوبة، ويتميز بسطحية الرسائل المرغوبة التي لا يتجاوز مداها حياة الأفراد:
تواريخ ميلادهم، وجنسهم، وسنهم،
وثقافتهم، لا يمكنه تقبل النصوص الجدية العميقة، التي تلامس حقائق الأشياء،
وجوهر الحقائق، إنها مثل الأجساد،
غير مرغوب فيها في هذا الفضاء الجديد.
ثالثا: سيكولوجيا الفضاء الرقمي
إن العيش في عالم يفتقد لمعالم العمران المادية، في غياب واضح للجسد، سيحدث
تغييرات شاملة على النفس والعقل.
فالجسد في هذا الفضاء لا يمتلك أي ميل أو رغبة أو توجه محدد اتجاه البنية
التي يقيم فيها. وينتج عن هذه الحالة حصول
توترات شديدة بين الذات وحقل الإدراك الحسي الذي يحيط بها.
إن الذوات غير السوية في العالم
الواقعي تختلف كلية عن الذوات غير السوية في العالم الافتراضي، تماما مثلما يختلف
الإرهابي الواقعي عن الإرهابي الالكتروني.
يقتصر حضورنا الجسدي في العالم الافتراضي على أفعال الرؤية والسمع، حيث
ينحصر دورها الوظيفي في ملامسة
جدران هذا العالم بينما تلج الأفكار والمشاعر إلى أعماق البنية الأساسية
للفضاء الرقمي المتمثلة في الرغبة الجماعية في
التواصل الفكري. إن الجسد يدرك جيد أن لا مكان له داخل الفضاء الافتراضي،
وأن هذا العالم لم يصمم لاستيعاب
رغبات وميول الجسد، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقوم علاقة مشتركة
بينهما، فالتفاعل معنوي، ومهما اقترب
الجسد من هذا العالم فلن تحصل
له اللذة التي يمكن أن تحصل له في العالم المادي، إنه بالفعل عالم خال من الأجساد،
فأصحاب النزعة الصادية الذين يميلون إلى تعذيب الأجساد لن يجدوا ضالتهم
في هذا الفضاء مهما بلغت جرائمهم
الالكترونية من تدمير للبنية التحتية، فلن تتحقق لهم تلك النشوة التي كانوا
يشعرون بها في العالم المادي أين يكون الجسد متاحا لهم.
إن القيمة في العالم الافتراضي الالكتروني مرتبطة بالجسد الصورة متجاهلة
الجسد البنية، فتفاعل البشر داخل هذا
الفضاء هو في الواقع تفاعل صور قبل تفاعل أفكار بعدما تطورت الانترنت إلى
الحد الذي نعرفه اليوم، لا يمكن فهم
الحركات البنيوية للجسد في الواقع المادي بعمق، لكن ما يظهر منه كصورة
على الشاشة يمكن تحليل عناصره وفهم
توجهاته لأنه محصور في أبعاد الشاشة. إن هذا الفضاء الجديد بيئته مختزلة،
يتم خلالها اختزال جميع الكائنات المعلوماتية
إلى صورة مرئية أو أيقونة، أو إلى مجموعة من الألوان والأشكال أو رموز
ثنائية أو أبعاد الفضاء الثلاثة (17) .
إن هذا الفضاء يستمد ملامحه السيكولوجية من طريقة تفكير قاطنيه وسلوكياتهم
العقلية، ومواقفهم من الأشياء، وأنماط
تواصلهم، ومحاجاتهم للوقائع والحوادث، إن نفسيته من نفسيتهم. إن حاجة الإنسان
إلى الحلم ، ورغبته الدائمة بالإقامة في
عوالمه السحرية، بعيدا عن صلابة أرض الواقع التي تنهش أجسادنا، وتمزق أرواحنا
نتيجة للعقبات التي نجدها أمامنا
على أرضها الصلبة ستكون عاملا حاسما باتجاه انحسار تواجد ذواتنا على أرض
الواقع واللجوء إلى الفضاء المتخيل،
حيث يمكن تحقيق كل ما نصبو إليه من دون أن تقف أمامنا عوائق أو عقبات (18)
.
إن التقنيات الغاشمة التي طرحتها الصناعة المعلوماتية، وزيادة حجم امتداد
الفضاء الرقمي في جل مفردات حياتنا
المعاصرة، سوف تساهم في تشكيل دائرة وجود افتراضي تلف دائرة الوجود التقليدي،
لتتحول الحياة اليومية إلى مفردة
من مفردات وجود افتراضي شامل يستوعب جل مفردات حياتنا في المستقبل القريب.
يعتقد المتواصلون في الفضاء الالكتروني أن العلاقات القائمة بينهم واقعية
جدا ولا يهتمون بأوصاف بعضهم بعض، فما
يهمهم التواصل الفكري، أو فعل الاتصال في حد ذاته، يعتقدون أن الانترنت
زودتهم بأشياء كثيرة لم يزودهم بها أباءهم.
الشباب المتعودون على العلاقات المتكافئة والمباشرة التي بنيت على الانترنت،
لن يشعروا بالراحة في ظل الأنظمة
الهرمية والطولية في مؤسسات اليوم. فالمؤسسات بحاجة إلى تطوير إستراتيجية
إدماج الشباب الرقمي المتمرسين إلى
البنية المؤسساتية الموجودة في العالم المادي، فما هي البنية المؤسساتية
المناسبة للناشئين إلكترونيا؟.
على الرغم من بساطة المحتوى الرقمي الذي يتداوله سكان الفضاء الالكتروني،
إلا أن أفكارهم تتجه نحو المزيد من
التعقيد والتراكبية، ونظرا لأهمية هذه ظاهرة، فإنها تحتاج إلى دراسة سيكولوجية
سوسيولوجية منفصلة. إن الشباب
الالكتروني يعتقد أن الانترنت تسمح لهم بالاتصال مع أناس لا يمكن لك أن
تتواصل معهم في العالم الحقيقي، ويعتقدون
أنهم يتواصلون مع أنواع كثيرة من البشر لذلك فإن إظهار الشخصية الحقيقية
يحل الكثير من مشاكل الفضاء الرقمي.
ولان التواصل الشبكي العالمي هو أهم شيء في حياتهم فإنهم لا يتخيلون أنفسهم
خارج عالم يخلو من الاتصال الأنترنتي.
إنه إدمان أثر على سلوكياتهم الداخلية والخارجية غاية التأثير مما انعكس
على تصوراتهم للخارج الموجود في العالم
المادي وربما انفصلوا عنه نهائيا. لذا فإن التسلسل الهرمي لا يعني شيء
ذا قيمة لسكان العالم الرقمي، لهذا فإن تبادل
المعلومات حر ومجاني بغض النظر عن اللقب أو المنصب.
لا يمكن لسكان العالم الرقمي القيام بعملين في نفس الوقت عمل في العالم
الافتراضي، وآخر في العالم الواقعي. لذلك
يمكنهم العيش في فوضى المكان على الرغم من انتظام عالمهم المعلوماتي، فهم
ينتجون محتويات رقمية غير محسوسة،
ولا ينتجون الأشياء المادية الاستهلاكية. لذلك لا تهمهم مساحة وأناقة ومواقع
سكناتهم )شققهم( على الأرض الصلبة، بل
أنهم لا يهتمون بمحتويات هذه الشقق، ولا بطريقة ترتيب أشيائها، كل ما يهمهم
هو جهاز الكومبيوتر. وعلى الرغم من
أن أكثرهم لا يملكون سندات ملكية ووضعهم الاقتصادي غير مستقر، إلا أنهم
يعتقدون أن حياتهم الحالية أفضل بكثير من
حياة السكان العاديين في العالم التقليدي. لذا فليس من الغريب أن نجدهم
لا يسعون إلى تحقيق نجاح اقتصادي، إنها واحدة
من خصائصهم، إنهم لا يتبعون منطق الرأسمالية ما يهمهم هو الرأسمال البشري،
أو الكثافة البشرية الافتراضية )حيث
كان شعارهم عند بداية تكونهم اكبروا يا سكان العالم الرقمي، حتى تحكموا
العالم(، ويسعون إلى تغيير حقيقي وعميق
لحياة الناس. إنهم يهتمون بالإنسان والأفكار، أكثر من أي شيء آخر له أهمية
في العالم المادي.
إنهم يشككون في الأفكار المقولبة الجاهزة، ويعتمدون على التكنولوجيا في
توليد أفكار بسيطة ولكنها مهمة بالنسبة لهم
في تغيير أحوال الناس، ويتشاركون كلهم في بناء هذه الأفكار، فليس من حق
المزود أن يقيد المعلومات، لأنه من حق
المتلقي أن يختار المعلومات التي يريد.
فهل يمكن لسكان العالم الرقمي أن يغيروا عالمنا المادي؟ إنهم على الرغم
من عدم شعورهم بوجود الحدود الجغرافية،
وعدم شعورهم بالانحصار داخل إقليم الدولة، ففي النهاية هم يتواصلون ويتناقشون
حول مشاكل عالمنا الصلب، إنهم
يسعون لا يجاد حلول لمشاكلنا بطرقهم الخاصة بعيدين عن سلطة المؤسسات. هذا
إذا نظرنا إلى الفضاء الالكتروني نظرة
تفكيكية، أما من الناحية البنيوية فيمكن أن نعد الفضاء الالكتروني عبارة
عن آلية مفاهيمية توظف الذكاء الاصطناعي
وتقنياته في طمرها للمكان والذات بعيدا عن الصورة المرئية التي تشخص على
شاشة حاسوبنا الشخصي. وتعود الشفافية
المكانية التي تتميز بها صورة هذا الزمان إلى عملية المصاهرة المقيمة بين
الواقع الفيزيائي التقليدي والواقع الافتراضي
وتداخلهما في الكينونة التي نعيشها، ونتعامل معها أثناء تفاعلنا مع الفضاء
المعلوماتي.
لا شك أن الفضاء المعلوماتي كبنية منعزلة عن معمريه يختلف عن الفضاء الفيزيائي
المادي منعزلا عن ساكنيه. صحيح
أن الفضاء الرقمي يفتقد للمعالم الوجودية التي تجعله محسوسا من قبل ذواتنا،
إلا أنه ليس خياليا، إنه يتمتع بالحس، وله
روح.
إن أهم السمات السيكولوجية التي يتميز بها الفضاء الإلكتروني يمكن تلخصيها
بالسمات الآتية:
السمة الأولى: غياب المظهر الفيزيولوجي إن التفاعلات
الحادثة على المستوى الافتراضي أكبر بكثير من التفاعلات
الواقعة في العالم الحقيقي. بل وأعمق. إلا أن هذا العمق يفقد ماهيته بتغييب
الانفعالات التي نلاحظها على وجوه الآخرين
حين نتفاعل معهم على الأرض، بل وإلغاء جميع ملامح لغة الجسد التي تمنحنا
عمقا في فهم ما يختلج في دخيلة المتفاعل معنا.
إن التفاعل الطبيعي الذي يتيح سماع نبرة الصوت ورؤية حالة المتصل معه،
حركاته، تغير لون بشرة الوجه، فينتج لنا
هذا التفاعل أنماطا جديدة من السمات السلوكية، تتفاعل كلها في تحقيق نشوة
الاتصال الذي هو متطلب طبيعي ينزع
الإنسان نحوه مثلما ينزع نحو الطعام والشراب. إن الفضاء الالكتروني يفتقد
لهذه النشوة التي هي ضرورة طبيعية لقيام
بنية اجتماعية سليمة. لقد ذهبت إلى غير رجعة الكثير من السلوكيات التي
كانت تملأ حياتنا بدفء الصلة مع الغير،
سيغيب التصافح والتعانق، وسيصاب الجسد مرة أخرى ببرودة تسري في أوصاله
بعدما كان دافئا في أحضان العلاقات
الاجتماعية التقليدية
السمة الثانية: الإدراك المهجن إن الجلوس
أمام شاشة الحاسوب والتعامل بهدوء مع ما يدور في بيئتها
الرسومية المفعمة بالأحداث يعد نمطا جيدا من أنماط تعديل حالة الوعي لدى
الإنسان.
فقراءة خطاب في البريد لإلكتروني، وممارسة
الدردشة الالكترونية مع مستخدم يقبع في بلد بعيد، يورثنا الإحساس
بمزيج غريب وغير مألوف من الأحاسيس التي تتداخل فيها عتبة شعورنا
بالذات، وبذات الآخر الذي نديم الاتصال
والحوار معه. إن ممارسة لعبة محوسبة، مفعمة بالكائنات المبتدعة، وبأشكال
لم نألفها سابقا، ومباشرة مجموعة من الأفعال
التي لا تتطابق مع منطق الحياة اليومية، وزيادة عمق الوصف الرسومي
للكيانات الرسومية المتحركة في بيئة الوسائط
المتعددة، وزئير الأصوات المنطلقة من هنا وهناك، سيورثنا مزيدا من
مستويات الالتفات بالوعي، وسيتطلب منا مباشرة
أكثر من مرحلة من مراحل التحديث في مدركاتنا لكي ننجح للتكيف مع البيئة
المعلوماتية المثقلة بأشكالها المفعمة
بالألوان، والأصوات، والحركات غير المتوقعة (19).
السمة الثالثة: عدم تطابق الزمن الطبيعي مع الزمن النفسي إن حياة
الإنسان جزء من الزمن الكلي، فعمره يقدر من هذا
الزمن، والأحداث التي يعيشها الإنسان في بيئاته المختلفة تجعل زمنه النفسي
يطول أو يقصر حسب قيمة الحدث وامتداداته
في حياة الإنسان. إن الزمن في الفضاء الالكتروني لا يتطابق تماما مع الزمن
الحقيقي، الأمر الذي سينهك شعورنا،
وسيثقله بمزيد من الضغوط النفسية ذات الصلة بالذات المدركة فنستمتع بغياب
الوعي الأليم عندما ننغمس في بيئة الفضاء
المعلوماتي الخالية من مصادر الاحتكاك والعقبات الأرضية. يخلو الفضاء الالكتروني
من تعاقب الليل والنهار، أما عقارب
الساعة فتدور خارج نطاقه، فلا قيمة للوقت إلا حين انتظار الإجابات أثناء
التفاعل الرمزي عبر حلقات التواصل
لافتراضي.
إن غياب المكان في هذا الفضاء
غيب معه الزمان الذي هو أساس حياتنا الطبيعية، وإذا كان غياب المكان يشعر أهل
الفضاء الالكتروني بعدم انتمائهم إلى الأرض والوطن، فإن غياب الزمن يشعرهم
بعدم الانتماء إلى الحياة. إن الزمان في
الفضاء الالكتروني هو زمن نفسي يخضع في سيرورته وتمدده إلى رغبة المتفاعلين،
يزيدون فيه وينقصون حسب مشيئتهم.
السمة الرابعة: تعدد الهوية لا يفرض
الفضاء الالكتروني هوية واحدة على سكانه كما هو الحال في العالم الهرمي، بسبب
خلوه من التنظيم الإداري الهرمي الذي يضبط الحياة المدنية للمواطنين على
الأرض. وفي ظل غياب المحددات الفيزيائية
التي تساهم في إضفاء صفة الوجود العيني على نفوسنا، تتضاءل الحاجة أمام
الإفصاح عن أسمائنا الحقيقية، ويتيح لنا
الفضاء الالكتروني إمكانية استعارة اسم جديد أو ننتحل شخصية مزيفة، طالما
ترتكز عملية اتصالنا مع الآخر على مفهوم
تغييب الوجود العيني في نص مكتوب عبر بيئة معلوماتية افتراضية صرفه. إن
الممنوع في العالم الأرضي مباح في العالم
الشبكي.
إن كل شخص ممثلا عمليا على الشبكة بعدة طرق، وبعدة أسماء، وبعدة انتماءات،
وهذا ما يعطي للمجتمع الالكتروني
حجما أكبر بكثير من حجمه الحقيقي، وبالتالي فإن القوة التي يدعيها ليست
نابعة من تمثيلية الأفراد لذواتهم في هذا
الفضاء، وإنما من قدرته على الربط بينهم بسرعة كبيرة.
قد تطغى الهوية الافتراضية للمنتمين لهذا الفضاء على ذواتهم المادية، على
الرغم من حرصهم الشديد على إخفاء بياناتهم
الشخصية عن أنظار العامة، لأن احتمالية تسرب المعلومات في هذا الفضاء أكبر
بكثير منها في العالم الحقيقي.
السمة الخامسة: الثقة العالية في النفس إن القدرات الهائلة التي منحتها
التكنولوجيا للفضاء الالكتروني جعلت نفسيته
تتعزز بثقة منقطعة النظير، فالقدرة على التواصل والتأثير، سرعة الانتقال
من مجال إلى آخر، الماضي الذي يخضع إلى
درجة عالية من التوثيق، الاعتماد المطلق على تخزين البيانات على السحابة،
مما يلغي الذاكرة البشرية نهائيا، إمكانية
التجمعات اللامحدودة، كل هذا يعطي للفضاء الالكتروني مميزات تسمح له بجذب
مستمر للأعضاء الجدد.
السمة السادسة: الحضور الأسطوري للنص إن الاقتصار على النص المطبوع في
الاتصال الرقمي مع الآخر، يجعل
المتواصلون في الفضاء الالكتروني أسرى بنية النص، حيث أن للنص كيانه وشخصيته،
وأن النص يفرض منطقه
وبلاغته، فيجعلهم عاجزين عن التعبير عن عمق ذواتهم، وما يجول في خواطرهم،
يشعر المتصل الالكتروني أثناء عملية
تواصله، عند تحريره لرسالته أنه مخنوق بالجدران العالية للنص، وانه غير
قادر على تخطيها، إن النص شخصية ثالثة
داخل الفضاء الالكتروني إلى جانب المرسل والمتلقي، اللذان ليسا على ثقة
من أن يستوعب أحدهما خطاب الآخر، لأنهما
يشعران بقدرة النص على التعبير، فقد يقول النص شيئا لم يقصده أحدهما. ويحدث
الشيء نفسه عند الفهم. ثم إن النص
تحمل عبء حركات الجسم ونبرات الصوت وحتى الصمت أثناء المحادثة، التي هي
حاضرة بقوة في اتصالاتنا التقليدية،
وتسعفنا حين لا يسعفنا الكلام، كما تحمل حرفتي الكلام والإصغاء، فهل يستطيع
النص أن يؤدي وظيفة نقل الرسالة في
غياب أهم عناصر الاتصال التقليدي. إنها مشكلة تضرب عمق الاتصال.
خاتمة
لقد أصبحت المعلومات المتوفرة في هذا الفضاء ذات قيمة اقتصادية وقيمة ميدانية
بالنسبة للقوات العسكرية، ومجالا
للسيطرة والتحكم. وأصبح التفوق في صناعة المعلومات واكتسابها إحدى المؤشرات
الأساسية للقوة العسكرية (20) .
إن التدفق الهائل للمعلومات داخل الفضاء الإلكتروني جعل منه مجالا حيويا
لشن الهجمات الإرهابية وتنفيذ الأعمال
العدائية، كغيره من مجالات الحرب التقليدية (البر والبحر والجو).
إلا أن هذا المجال يختلف عن غيره
من حيث السيطرة والتحكم، فبينما تسيطر قلة من الدول على القدرات التكنولوجية
لغزو الفضاء الخارجي، نجد أنه يمكن لأي دولة أو جماعة أو حتى الأفراد أن
يؤثر في الفضاء الإلكتروني. وظهر بذلك
نمط جديد من القوة يمارس من خلال الحرب الإلكترونية عبر الفضاء الإلكتروني،
حيث توجد مواقع إنترنت متصلة
بالأهداف الإستراتيجية والمرافق الحيوية يمكن ضربها، في نوع جديد من الحرب
بدون إراقة للدماء، ولا تمييز بين ما هو
مدني وما هو عسكري.
وتعبيرا عن البعد العسكري للفضاء الإلكتروني، أقرت هيئة الأركان الأمريكية
تعريفا عسكريا له بأنه "مجال يتميز
باستخدام الإلكترونيات والكهرومغناطيسية لتخزين تأثيرات متحركة أو ساكنة
ضد الإشارات (الرادار وأجهزة الاتصال (
ونقاط ربط وشبكات النظام الدفاعي، حيث يتم الوصول إلى الهدف بسرعة الصوت
أو بسرعة الضوء عند استعمال قدرتها
الفضائية الإلكترونية. وأعلنت القوات الجوية الأمريكية في 7 ديسمبر
2005 تعريفا جديدا لمهامها القتالية بأن حددت
مهمة القوات الجوية في الدفاع عن الولايات المتحدة ومصالحها العالمية بقدرتها
على الطيران والقتال في الجو والفضاء
الخارجي والدفاع أيضا عن الفضاء الإلكتروني. وأصبح من مهام القوات الجوية
منع هجوم من الفضاء الإلكتروني على
البنية التحتية، والاستجابة السريعة للهجمات، وإعادة إصلاح الشبكات، ونشر
الوعي الكافي بأهمية الفضاء الإلكتروني
كساحة للصراع، والعمل على إلحاق الهزيمة بالخصوم والأعداء من خلال الفضاء
الإلكتروني. وبذلك، أصبح للفضاء
الإلكتروني دور في الإستراتيجية العسكرية للدفاع عن الدول ومصالحها، وتحول
إلى مجال للعمليات العسكرية ومجال
لاستخدام القوة والسيطرة بما يهدد البنية التحتية الكونية للمعلومات.
أما على مستوى أمن الالكتروني للمؤسسات التي أصبح لها مساحة افتراضية كبيرة
داخل الفضاء الإلكتروني فإن التناسب
الصحيح الذي تقدمه البيئات الافتراضية. يثير اهتمام هذه المؤسسات، على
الرغم من أن التحديات المتعلقة بإدارة الأصول
الافتراضية المعتمدة وغير المعتمدة على البنى الوسيطة الافتراضية تحد من
الأرباح والفوائد المحتملة. لذا فإن الحماية
الصحيحة تتخطى الفعالية المتدنية للحلول الأمنية القديمة بأسلوبها الذي
يتصف بالمرونة والتأقلم والقابلية للتحديث
وتوفير عائد استثمار سريع إلى جانب تأمين التوازن الصحيح بين الحماية والأداء.
وأظهر استطلاع للرأي، أجرته مؤسسة
Forrester أن 85 بالمائة
من الشركات أضحت تعتمد على البيئات الافتراضية، حيث أصبحت شيئا معتادا في الاستخدام
المؤسساتي، إلا أن حماية البيئات الافتراضية لا تزال متأخرة.
ثبت المراجع
-1 وهو ما
فعلته إذاعة ميل كولينز في رواندا بإشعالها نيران الفتنة القبلية بأهل
هذا البلد الإفريقي ، حيث أدت إلى إبادت قبائل التوتسي
-2 نبيل علي،
عنف المعلومات.. وإرهابها، مجلة العربي، العدد 526 ، وزارة الإعلام،
الكويت، سبتمبر 2002 ، قسم علوم وتكنولوجيا
-3 المرجع
ذاته، قسم علوم وتكنولوجيا
-4 بيل غيتس،
المعلوماتية بعد الانترنت، ترجمة: عبد السلام رضوان، سلسلة عالم
المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1998 ، ص:
19
-5 علي محمد
رحومة، الانترنت والمنظومة التكنو- اجتماعية، مركز دراسات
الوحدة العربية، بيروت، 2005 ، ص: 58 - 62
Cloud computing (6)
هي مصطلح يشير الي المصادر والأنظمة الحاسوبية
المتوافرة تحت الطلب عبر الشبكة والتي تستطيع توفير عدد من الخدمات
الحاسوبية المتكاملة دون التقيد بالموارد المحلية بهدف التيسير على المستخدم
وتشمل تلك الموارد مساحة لتخذين البيانات والنسخ الاحتياطي والمزامنة الذاتية
كما تشمل قدرات معالجة برمجية وجدولة للمهام ودفع البريد الإلكتروني
والطباعة عن بعد، ويستطيع المستخدم عند اتصاله بالشبكة التحكم في هذه
الموارد عن طريق واجهة برمجية بسيطة تبسط وتتجاهل الكثير من التفاصيل
والعمليات الداخلية.
(7) الأتمتة هي استخدام ا لكمبيوتر والأجهزة المبنية
على المعالجات أو المتحكمات
والبرمجيات في مختلف القطاعات الصناعية والتجارية والخدمية من أجل تأمين
سير الإجراءات والأعمال بشكل آلي دقيق وسليم وبأقل خطأ ممكن. الأتمتة هي
فن جعل الإجراءات والآلات تسير وتعمل بشكل تلقائي.
-7 ايريك شميدت،
جاريد كوين، العصر الرقمي الجديد، إعادة تشكيل مستقبل
الأفراد والأمم والأعمال، الدار العربية للعلوم ناشرون، 2013 ، ص: 07
-8 المرجع
ذاته، ص: 10
-9 المرجع
ذاته، ص: 13
-10 المرجع
ذاته، ص: 14
11- Cyberculture
The key Concepts edited by David Bell Brian D.Loader Nicholas Pleace and
Douglas Schuler. Wikipedia
12-
Slater Don 2002 'Social Relationships and Identity Online and Offline' in
L.Lievrouw and S.Livingston (eds) The Handbook of New Media Sage London pp533.
13- Zhai Philip.
Get Real: A PhilosophicalAdventure in Virtual Reality. New
York:Rowman&LittlefieldPublishers 1998. -14 عادل عبد
الصادق، الارهاب الالكتروني، القوة في العلاقات الدولية: نمط جديد وتحديات مختلفة،
المركز العربي لأبحاث الفضاء الالكتروني، ط 2، 2013 ، ص: 160 - 171
-15 محمد حسام
الدين اسماعيل، الصورة والجسد دراسات نقدية في الاعلام
المعاصر، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت، 2008 ، ص: 102 -16 المرجع
ذاته، ص: 104
-17 حسن مظفرالرزو،
الفضاء المعلوماتي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2007 ، ص: 273
-18 المرجعذاته،
ص: 271 -19
المرجع ذاته، ص: 276
20- ames M.
Liepman Jr. "Cyberspace: The Third Domain" Zel Technologies LLC and
Global Cyberspace Integration Center November 15 2007.
http://www.au.af.mil/au/aunews/archive/0223/Articles/Cyberspace%20Third%20Domain%20-%20Liepman.pdf
قائمة المصادر والمراجع
أولا/ كتب عربية
-01 غيتسبيل
، المعلوماتية بعد الانترنت، ترجمة: عبد السلام رضوان، سلسلة
عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1998
-02 رحومةعلي
محمد ، الانترنت والمنظومة التكنو- اجتماعية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت،
2005
-03 شميدتإيريك
، جاريد كوين، العصر الرقمي الجديد، إعادة تشكيل مستقبل الأفراد والأمم والأعمال، الدار
العربية للعلوم ناشرون، 2013
-04 عبد الصادق
عادل ، الارهاب الالكتروني، القوة في العلاقات الدولية: نمط جديد وتحديات مختلفة، المركز
العربي لأبحاث الفضاء الالكتروني، ط 2، 2013 -05 اسماعيل
محمد حسام الدين ، الصورة والجسد دراسات نقدية في الاعلام
المعاصر، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت، 2008
-06 الرزو حسن
مظفر، الفضاء المعلوماتي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2007
ثانيا/ مراجع أجنبية
07-Slater Don
2002 'Social Relationships and Identity Online and Offline' in L.Lievrouw and
S.Livingston (eds) The Handbook of New Media Sage London.
08 - Zhai
Philip. Get Real: A PhilosophicalAdventure in Virtual Reality. New York:
Rowman&LittlefieldPublishers 1998.
09 - James M.
Liepman Jr. "Cyberspace: The Third Domain" Zel Technologies LLC and
Global Cyberspace Integration Center November 15 2007.ثالثا/
مجلات
-10 علي نبيل
، عنف المعلومات.. وإرهابها، مجلة العربي، العدد 526 ، وزارة الإعلام، الكويت، سبتمبر
2002 ، قسم علوم وتكنولوجيا
Commentaires
Enregistrer un commentaire